وعلى هامش ردود الفعل المتناقضة على اتفاق تجميد العمليات العسكرية بعد إحياء القرار 1701 وتشكيل فريق لمراقبة مراحل التنفيذ بقيادة ضابط أميركي، قلل بعض مسؤولي وقيادات حزب الله من حجم ما يتسرب من ما يلي: تسمى “الأمريكية”. “وثيقة الضمان” التي دفعت تل أبيب إلى الموافقة على الاتفاق. لا لسبب سوى تجاهل المخاطر التي تنطوي عليها، بما في ذلك التعامل مع حادث يمثل انحرافا عما قاله والذي أدى إلى التحذير من تأثير الحادث. وهذا مثال على ذلك.

وفي وقت كانت الأنظار تتجه نحو قراءة النتائج المتوقعة لزيارة المبعوث الرئاسي الأميركي عاموس هوشستين الأخيرة فور وصوله إلى بيروت، وعد بإمكانية تحقيق التفاهم المطلوب والمنشود من جميع الأطراف، بما في ذلك الرئيس جو بايدن، لإسرائيل. يستعد لمغادرة البيت الأبيض، وكان خليفته دونالد ترامب الذي يستعد للدخول، وسط مفاوضات من نوع مختلف، يتناقش مع الحكومة الأميركية بحثاً عن سلسلة من الالتزامات التي تسهل ذلك الأمر. معربا عن موافقته على الأفكار المقترحة. لاحتواء التصعيد وتجميد العمليات العسكرية والتوصل في نهاية المطاف إلى وقف إطلاق نار مستقر ونهائي.

قبل أن يعلم المعنيون بالمبادرة التي يبدو أنها ترتكز بشكل أساسي على مضامين المبادرة الأميركية الفرنسية المشتركة التي أطلقها الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على هامش جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي. وفي أيلول/سبتمبر من العام الماضي، كانت النقطة الخفية في الموقف الإسرائيلي هي التردد في انتظار نتيجة المفاوضات السرية الجارية على أكثر من مستوى، لا سيما ما كان يجري التحضير له مع الجانبين الروسي والأميركي، بقيادة الجانب الجديد المبعوث الشخصي للرئيس. حكومة بنيامين نتنياهو، وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، قبل أن تتجه الأمور نحو التواصل مع فرنسا للبحث عن دور لبلادها في تخفيف الهجوم على نتنياهو ووزير دفاعه السابق، نتيجة قرار المحكمة الجنائية الدولية فيما يتعلق باعتقاله لارتكابه جرائم ضد الإنسانية.

وفي الخوض في بعض تفاصيل هذه المفاوضات، تعترف الجهات الدبلوماسية بأن مهمة ديرمر ركزت على القضايا المشتركة بين موسكو وواشنطن المتعلقة بالحدود اللبنانية السورية. وفي موسكو، كانت جهوده جادة، داعياً قادته إلى التواصل مع الرئيس السوري بشار الأسد للسيطرة على الحدود اللبنانية السورية بعد الحدود العراقية السورية، إلا إذا قام بهذه المهمة مباشرة بوجوده العسكري على أراضيها. بهدف منع نقل كافة الأسلحة الإيرانية المخزنة في البلدين، في المقابل تحاول واشنطن الحفاظ على ضمانتها للأسد من خلال التخفيف التدريجي للعقوبات المفروضة عليه وعلى بلاده كلما أبدى نيته اتخاذ الخطوات اللازمة من له.

وأضافت المراجع ذاتها أن المفاوضات مع واشنطن كانت كافية لتسريع المبادرة، إذ لم تتلق المبادرة الإسرائيلية حتى الآن ردا نهائيا من روسيا وسوريا، رغم المهمة التي يقوم بها لأول مرة وفد روسي رفيع المستوى في تل أبيب. أبيب سلسلة إجراءات اتخذها نتنياهو من خلال مجلس الوزراء المصغر والكنيست بعد أن أوصت اللجنة الأمنية الحكومية بالموافقة على الاقتراح، مما أدى في النهاية إلى إنهاء الحرب. وجاءت هذه الخطوة مدفوعة بنجاح الجهود الأميركية في باريس، والتي شجعت تل أبيب على التدخل لتخفيف الضغوط التي قد تمارسها المحكمة الجنائية الدولية لمنح نتنياهو الحصانة الدبلوماسية التي توفرها من حكم المحكمة ما لم يتمكن من ذلك. سحب المذكرة الدولية الصادرة باعتقاله وجالانت.

وبالتوازي مع هذه التحركات الدبلوماسية التي جرت معظمها في سرية تامة مع واشنطن وباريس، كان هوكشتاين متفائلا بنتائج زيارته لإسرائيل. وطمأن المسؤولين اللبنانيين، قبل ساعات من تحديد ساعة الصفر لوقف إطلاق النار، بإمكانية التوصل إلى اتفاق نهائي دخل حيز التنفيذ فجر الأربعاء 27، على ما جاء في مبادرته والخطوات المرحلية الـ60 التي تستغرق أياما للتنفيذ في بطريقة تواكب عودة ترامب إلى البيت الأبيض. وهو ما أدى إلى إسدال الستار على الفترة الصعبة التي كان يمر بها المبعوث الأمريكي والفشل المستمر الذي رافقها، مما أتاح له أن يعيش لحظات من الفخر والتباهي بها، على عكس الشعور الذي كان ينتابه في السابق، مما كان عليه. وقد حقق محاولات انتهت دون النتيجة الإيجابية التي طالما سعى إليها قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية. لقد أراد تقديم إنجاز جاء إلى طاولة الديمقراطيين قبل فتح صناديق الاقتراع، وتقديم خدمة وعد بها طرفا الصراع منذ فترة طويلة، مع إمكانية عودة السكان على الجانبين إلى قراهم على جانبي الحدود. والدخول في فترة جديدة من الهدوء والأمن والاستقرار، بغض النظر عن الصعوبات التي قد تجلبها مهلة الستين يوما.

إضافة إلى هذه الصورة الوردية التي يظهر معناها بوضوح، فقد أظهر بعض الاستراتيجيين العسكريين اللبنانيين إشارات تشير إلى ما هو أخطر على لبنان مما تتضمنه المرحلة المقبلة من الاتفاق. وهو يتجاوز ما يقيد حرية حركة حزب الله في منطقة جنوب نهر الليطاني، ويتجاوز الشروط المفروضة عليه والتي تؤدي إلى تسليمه مختلف أنواع أسلحته، ويتجاوز حظر إدخال المزيد من الأسلحة إلى لبنان أينما كانت. يقع. مقارنة بما ورد في ورقة الضمانة الأميركية لإسرائيل من أنها تريد الوقوف إلى جانب إسرائيل خارج نطاق رئاستها للجنة الإشراف ومع شريكها الفرنسي على الأراضي اللبنانية.

وإلى أن يتوفر النص النهائي لورقة الضمان، من الممكن توسيع النقاش حول التهديدات التي تواجه الساحة اللبنانية، وتجاوز ما تم فرضه على حزب الله ومكوناته العسكرية والأمنية، إلى متابعة أي تطور قد تطوره إيران في المنطقة. المنطقة وداخلها، وذلك ببساطة لأنه سيساعد إسرائيل على عرقلة برنامجها النووي بما يقلل من مخاطرها المزعومة عليها وعلى المنطقة. وإذا فشلت فإنها قد تطلق العنان ليدها العسكرية الطويلة لتفعل ما مُنعت من فعله في الفترة السابقة.

وإلى جانب هذه المخاوف، يبقى الرجوع إلى ما ورد في اتفاق وقف إطلاق النار كافياً لاستكمال مفعول «ورقة الضمان». وقال إنه بالإضافة إلى وقف تصنيع مكوناتها العسكرية في لبنان ووقف استخدام مراكزها العسكرية لتجنيد المقاومين ووقف كافة الأنشطة العسكرية في كافة أنحاء لبنان، عليها أيضاً القيام بما هو مسموح هناك في ظل سيطرتها الأمنية. القضائية والسياسية وفي المجالات الأخرى التي سمحت لها ببناء الترسانة، فإن هذه القوة لم تُستنفد على مدار عام وشهرين من العمليات العسكرية الواسعة النطاق، ولا تزال قادرة على إطلاق مئات الصواريخ المختلفة على الأراضي المحتلة. لإطلاق النار على مناطق في فلسطين إذا طالت الحرب، بغض النظر عما يقال عنها. مستلزماته منه.

ونظراً لهذه المعطيات والمؤشرات التي تشير إلى ما ينتظرنا من رعاية أميركية ودولية قد تقترب من الوصاية، فإن وثيقة «الضمانات الأميركية» واجهت الحزب مباشرة، ومن يسعى للتلاعب بالإجراءات المعتمدة واجه الحكومة الأميركية بعد أحد ضباط القيادة المركزية الأميركية، اللواء غاسبر جيفرز، جاء إلى بيروت. وزار قائد الجيش العماد جوزاف عون في أول ظهور له لبحث المهام الموكلة إليه وسبل تحسين التعاون مع الجيش. للقيام بمهمته كرئيس للجنة الإشرافية وبالتالي تشكيل “الجيش الجديد” للمراقبة الفعالة. وبذلك تكون إسرائيل قد استدرجت قوة كبرى مثل الولايات المتحدة إلى مستنقع المنطقة، وهو ما حاولت القيام به عسكرياً أيضاً وفشلت قبل أن تحقق ما حققته في ورقة الضمان هذه.