لا تزال منطقة الشرق الأوسط تترنح من تداعيات هجوم 7 أكتوبر 2023 وما تبعه من حرب إسرائيل على جبهات متعددة، والتي يقول مراقبون إنها قلبت موازين القوى وأعادت رسم خريطة التوازنات.

ما إن هدأ غبار الحرب بعد نحو 14 شهراً من المواجهات المتواصلة بين إسرائيل وحزب الله على الأراضي اللبنانية، حتى اشتعلت نيران الصراع الذي كان خامداً تحت الرماد في مكان ليس ببعيد، وتحديداً في سوريا. على الرغم من أن التطورات الفردية هناك لا يمكن النظر إليها بمعزل عن بعضها البعض.

شنت فصائل مسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام، جبهة النصرة سابقا، في محافظة حلب شمال غرب البلاد، أكبر هجوم لها منذ سنوات ضد القوات الحكومية، ما أسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. مما يشير إلى أن المسلحين استولوا على عدة قرى جديدة. ويسيطرون على عشرات الكيلومترات وقاعدة عسكرية كبيرة للجيش السوري.

ويقول مراقبون إن الجماعات المسلحة قد تسعى إلى استغلال الفراغ الذي تركه حزب الله في سوريا بعد تعرضه لضربة قوية من إسرائيل في الأشهر الأخيرة.

فقد حزب الله أمينه العام حسن نصر الله، وجميع قادته في الخطوط الأمامية تقريباً خلال المواجهة الأكثر عنفا مع إسرائيل.

تتقدم الجماعات المسلحة السورية لاستعادة الأراضي التي فقدتها في عام 2016 بعد هجوم شنته قوات الحكومة السورية بدعم من حليفتها روسيا.

وقال معهد تشاتام هاوس البريطاني إن حزب الله الذي دخل على خط المواجهة مع إسرائيل منذ 8 أكتوبر 2023 دعما لقطاع غزة، يواجه انتقادات حادة من معظم شرائح المجتمع اللبناني بسبب “قراره الأحادي”.

وخلص المعهد إلى أن “العملية جاءت بنتائج عكسية وأدت إلى اندلاع صراع مدمر أدى إلى مقتل نحو 4000 شخص في لبنان، ونزوح جماعي وأضرار جسيمة في البنية التحتية في جنوب ذلك البلد”.

ويقول المعهد: “إن حزب الله وداعمه الرئيسي، إيران، لن يعترفوا بذلك أبداً، لكنهم تعرضوا لنكسة استراتيجية. وكان هدفهم هو ربط جميع ساحات القتال الإقليمية التي كان لإيران نفوذ فيها من أجل إنهاك إسرائيل وإرباكها، لكن ذلك لم يحدث”.

وفي أول تحدٍ خطير منذ أربع سنوات تواجهه سوريا وأبرز داعميها، روسيا وإيران، تقدم المسلحون شرقاً من منطقة إدلب وظلوا تحت سيطرة الفصائل السورية، التي وصلت إلى طريق مسدود منذ اتفاق موسكو وأنقرة على وقف إطلاق النار. وقف إطلاق النار في عام 2020.

ووصفت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية هذا التقدم بأنه أكبر انتكاسة لسوريا وحليفتها إيران منذ سنوات.

وقُتل ضابط بارز في الحرس الثوري الإيراني والعديد من المسلحين من الفصائل الموالية لطهران في القتال الدائر في سوريا.

ووصف الجيش السوري، بحسب بيان صادر عن وكالة الأنباء الرسمية (سانا)، الهجوم المستمر بأنه “هجوم إرهابي ضخم وواسع النطاق باستخدام الأسلحة المتوسطة والثقيلة”.

وقالت صحيفة فايننشال تايمز: “يظهر هذا التقدم كيف تغير ميزان القوى في سوريا التي مزقتها الحرب خلال عام من الصراع في الشرق الأوسط الأوسع. وبينما تم قمع الاحتجاجات والمظاهرات المسلحة اللاحقة في سوريا بعنف، فقد فشلت دمشق في الضغط على جبهات متعددة، وأصبح ساحة للتنافس بين القوى الكبرى.