ويقول دبلوماسي مخضرم إن المبعوث الرئاسي الأمريكي عاموس هوشستاين يقف على أرض هشة، وهو نفسه يدرك مدى صعوبة التوصل إلى اتفاق في الوقت الحالي. لكن الرجل مجبر على أداء دوره على المسرح حتى النهاية. يريد المخرج ملء الوقت وتشتيت انتباه الجمهور.

في قلب الورقة التي يحاول هوكشتاين تسويقها، وضع بنيامين نتنياهو عدة أفخاخ. وأبرزها شرط احتفاظ إسرائيل بـ”حقها” في مراقبة أجواء لبنان بالطائرات العسكرية والطائرات المسيرة، كما أن لها صلاحية القيام بعمليات عسكرية على الأراضي اللبنانية في أي وقت إذا ثبت أن حزب الله أو يقوم طرف آخر بإعادة تسليحه أو تنظيم نفسه عسكريا. وبالطبع تجنب المفاوض اللبناني هذا البند باعتماد صيغة «حق كل طرف في الدفاع عن النفس» إذا وجد الطرف الآخر يخالف الاتفاق. وبحسب الصيغة المعتادة، يقدم الطرف المشتكي اعتراضه إلى الهيئة المسؤولة عن مراقبة الاتفاق، والتي يرأسها جنرال أميركي يتولى المعالجة. لكن السؤال هو: ماذا يحدث إذا اعتقد الطرف المشتكي أن العلاج لم يتم بشكل صحيح؟ هل سيأخذ حقوقه بين يديه؟ أي هل يلجأ إلى العنف عند التعامل مع الطرف الآخر؟ وهذه الصيغة التي يقترحها لبنان كبديل للنص الصلب الذي وضعه الإسرائيليون تبقى أيضاً صعبة وتخدم عملياً مصلحة إسرائيل في التنفيذ. ولا يتوجب على إسرائيل أن تنتهك القرار 1701 لكي تحافظ على قدرتها على الردع. أما حزب الله، فهو مجبر على شراء الأسلحة وتخزينها من الخارج من أجل البقاء كقوة عسكرية. وإلا فإنه سيصبح حزبا سياسيا وليس أكثر. كذلك فإن الإسرائيليين أقدر من «الحزب» على إقناع أعضاء اللجنة بوجهة نظرهم. ويقودها أميركي، وتضم دولاً أطلسية، يعتبر بعضها الجناح العسكري لـ«الحزب» منظمة إرهابية، أي أن احتمال أن يتحرك التنظيم ضد «الحزب» هو احتمال أن يتحرك. إن ما يجري ضد إسرائيل يجري ويتجاوز بكثير. وللتذكير، تمتلك إسرائيل قدرة عملياتية قوية لمهاجمة أهداف حزب الله في لبنان إذا اختارت ذلك، في حين أن قدرتها على فعل الشيء نفسه ضد حزب الله محدودة اليوم وستكون أكثر محدودية بعد تنفيذ اتفاق التسليم وإنهائه. من الأسلحة. وفي كل الأحوال، فإن صيغة «الدفاع عن النفس» يمكن أن تكون أفضل ما يمكن أن يحققه المفاوض اللبناني، كبديل للطرح الإسرائيلي الذي ينص على التدخل العسكري في أي وقت، مع العلم أنه سيدرجه في ملحق خاص. بينهم وبين الأميركيين يمثّل التزاماً إضافياً على واشنطن، يكشف أبعاداً بالغة الخطورة حاول المفاوض اللبناني تجنبها، لا سيما: 1- إذا فرض الإسرائيليون «حقهم» في التحليق بشكل دائم في سماء لبنان ولبنان. أي لرصد تحركاتها، ومن ثم سيسيطرون عليها عملياً ويسيطرون عليها إلكترونياً، لحظة بلحظة، من أقصى شمالها حتى الحدود. 2- يمكن لإسرائيل أن تشكو من خرق محدد للاتفاق من الجانب اللبناني دون أن يتمكن لبنان أو أي طرف آخر من إثبات صحة هذه الشكوى. ثم يهاجم أي هدف في لبنان. وهذا أمر خطير للغاية. لقد صدر القرار 1701 في عام 2006 تحت الفصل السادس، وليس الفصل السابع، وهو ما يتطلب التنفيذ القوي. لكن الملحق الإسرائيلي الأميركي يسمح لإسرائيل نفسها باستخدام القوة كما تراها مناسبة. ومن حيث المبدأ، نجح المفاوض اللبناني في تحسين الوضع، لكن السيطرة الإسرائيلية على الاتفاق ظلت في المقدمة. ولا يمكن للبنان أن يطلب المزيد وإلا قد يُتهم بعرقلة الحل. لكن الصيغة المقترحة تعني واقعيا خضوعه لمستوى معين من الوصاية الأمنية الإسرائيلية، بموافقة محلية ودولية وإقليمية. وفي كل الأحوال فإن لبنان ليس لديه القرار الرسمي. والمفاوض الفعلي هو إيران. هل ستترك لإسرائيل مهمة هزيمة حزب الله نهائياً؟ هل تعتقد أن «الحزب» في لبنان في وضع ضعيف يضطره إلى الاستسلام؟ ويقول المطلعون على أجواء «الحزب» إن إيران لن توافق بأي حال من الأحوال على هزيمة «الحزب» أمام إسرائيل في لبنان، كما أنها لم توافق على هزيمة «حماس» في غزة وستقاتل حتى النهاية. نهاية لتعويض الخسارة. ومن المتوقع أن تتعب إسرائيل، وأن تدفعها الظروف الدولية إلى التوصل إلى حل أكثر توازناً يسمح لـ«الحزب» بالاحتفاظ بسلطته، ويحافظ من خلالها على نفوذه على حدود إسرائيل وساحل البحر الأبيض المتوسط. وفي الواقع، لن توافق طهران على إنهاء حزب الله بأي ثمن. وفي الوقت نفسه، لن توافق إسرائيل على إنهاء الحرب الحالية. لذلك، سوف يتجول هوكشتاين حول الدوامة لفترة طويلة، بحثًا عن تسوية. بنيامين نتنياهو وشركاؤه في حكومة اليمين واليمين المتطرف سيناورون ويرفضون أي حل حتى يحققوا أهدافهم في المراحل المقبلة من الحرب. ومن المرجح أن تؤدي هذه الأهداف إلى تغييرات جديدة في لبنان وفي جميع أنحاء المنطقة.