في معظم الأوساط السياسية والدبلوماسية، كان يُعتقد أن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة يعتمد على غياب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أو زعيم حماس يحيى السنوار عن الساحة السياسية. وهي مشكلة استمرت لفترة طويلة وارتبطت بالصلابة التي أظهرها الرجلان في التعامل مع المواجهة. وعليه، فعندما أكدت «الصدفة» مع «إصبع السنوار» مقتله، برز السؤال: هل نتنياهو راضٍ عما تحقق ليعلن «الانتصار الكامل» أم أنه ينتظر شيئاً آخر؟

ولم ينس المراقبون حتى الآن النظرية التي رافقت فترات العنف خلال العملية الإسرائيلية في قطاع غزة والمنطقة، والتي بموجبها تم إسقاط سلسلة الطروحات التي قالت بضرورة التوصل إلى وقف إطلاق نار مستقر، على أساس الضرورة. للحد من القسوة التي أظهرها نتنياهو في استخدامه المفرط للقوة ضد المدنيين الفلسطينيين بذريعة القضاء على حماس، مقابل إصرار السنوار على مكافحة العمليات العسكرية من مخبأه تحت الأرض وتحديد شروطه التي تؤدي إلى هذه الخطوات بدقة. وربط هذه الخطوة بالحاجة الملحة لتقديم المساعدات الإنسانية والطبية والغذائية والوقودية لأهالي قطاع غزة المحاصر، لمنع المجاعة ولمواجهة آثار “الكارثة الجديدة” التي خلفتها المجازر في مستشفياتهم ومراكز الحماية التي أنشأتها وكالة الغوث لم تساعد في تحقيق عملية تبادل الأسرى الإسرائيليين من كافة الجنسيات مقابل إطلاق سراح الأسرى في السجون الإسرائيلية.

وبحسب مزاج نتنياهو والسنوار، بقيت كل هذه الاقتراحات في أذهان هؤلاء المراقبين لفترة طويلة. ومشاريع «الهدنات الخمس» التي تم التوصل إليها في الربيع الماضي، تراجعت بسبب المواجهة القاسية بين عقليي الرجلين بشكل أعطى الصراع وجهاً جديداً من «الشخصانية»، المرتبطة بالمعادلة التي تقول إن نتنياهو سيتجنب الهدوء الذي يسوده. أدى ذلك إلى قيام حماس بإعادة تجميع قواتها فوق وتحت الأرض بسبب الفترات التي كانت تخشى فيها من تعزيز الحركة. لفترة إضافية تتيح له تجنب مثوله المرتقب أمام القضاء مطلع الشهر المقبل، بشرط بقاء أمر الاستدعاء قائما، وإخضاعه لتحقيق في سلسلة قضايا فساد واستغلال السلطة مقابل إجراء محادثات، وهي رغبة السنوار. وذلك ليحقق ما عجز أسلافه عن تحقيقه وهو إطلاق سراح عدد كبير من السجناء بينهم أصحاب… أحكام بالسجن المؤبد لعشرات السنين لكل سجين، وابتزاز الدول الأجنبية التي من مواطنيها بالإضافة إلى إسرائيل أيضا مزدوجة الطلب على الجنسية.

وأمام هذه السلسلة من الحقائق التي لا يمكن لأحد أن يتجاهلها أو يمنحها الأهمية التي تستحقها، كان لا بد من التوقف عند ما أدى إلى اغتيال رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية فجر 31 يوليو/تموز في طهران. خاصة عندما انتخبت الحركة السنوار خلفا له بعد أيام قليلة. ومن موقعه «الغامض» تحت الأرض، سيطر على القرارات السياسية والعسكرية. وطرحت نظريات حينها مفادها أن مثل هذا التحرك يمكن أن يسهل المفاوضات الجارية بين مختلف القوى الدولية والإقليمية المنخرطة في إيجاد حلول سياسية ودبلوماسية في سباقها للخيارات العسكرية، قبل أن يتبين أن الأمر أكثر تعقيدا حتى أوقفت جهودها في المنطقة. المراحل النهائية، خاصة عندما جمد الأميركيون وساطتهم بعد فشل مقترحات الرئيس جو بايدن المتتالية، وآخرها اعتمدها مجلس الأمن في قراره الصادر في 10 يونيو/حزيران الماضي، لتتم مراقبة الوضع في غزة عن بعد، خاصة في المرحلة المصاحبة لانطلاق عملية سهام الشمال التي تعلن الحرب على لبنان منذ منتصف سبتمبر الماضي. وتجلت هذه العملية في أوضح صورها في تكثيف عمليات الاغتيال التي طالت القادة العسكريين وأعضاء “مجلس الجهاد” التابع للحزب وزملائهم في الأجهزة وقادة المحاور، والتي سبقت تفجيرات شبكتي “البيجر” و”اللاسلكي” وما تلاها. . قبل اغتيال الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله في 27 أيلول/سبتمبر.

وحين يربط المراقبون بين هذه الأحداث، فإنهم لا ينسون المواقف الإسرائيلية الرسمية، التي تجعل أي اتفاق لوقف إطلاق النار مشروطاً بالقضاء على قيادات حماس، بما في ذلك السنوار نفسه، وبذريعة اضطهادهم، ارتكب عدة مجازر في إسرائيل مبرراً لها العالم ما أدى إلى “مذبحة المواسي”. » بعد إعلان الحي “منطقة آمنة” بحجة استهدافه رفيقه ويده الأيمن محمد الضيف. وهي عملية أسفرت عن مجزرة دامية ولم يثبت خبر اغتياله حتى الآن. ولذلك، فإن اغتيال السنوار أول من أمس، أحيا في أذهان البعض احتمال أن يصدق نتنياهو وعوده لمواطنيه والعالم بأن «النصر الكامل» قد تحقق، وأن من الممكن مناقشة وقف شامل ومستقر لإطلاق النار. بعد ذلك. تمهيد الطريق لـ”اليوم التالي” في قطاع غزة وآلية حكمه المستقبلية.

لذلك، وفي انتظار تأكيد إمكانية الوصول إلى هذه المرحلة، يرى مراقبون دبلوماسيون وعسكريون أن العملية لم ترض نتنياهو ولا المتشددين من وزرائه، خاصة أن الحرب في لبنان وصلت إلى المستوى الذي وصلت إليه وتجاوزت ما يحدث في لبنان. غزة إلى درجة أنها تتجاوز ما يُقتطع من مخارجها. وهذا ما أدى في النهاية إلى الاندماج النهائي لهذه الساحات، إلى تلك التي أقيمت مباشرة بين تل أبيب وطهران، والتي اشتعلت فيها النيران، ولم يعد هناك أي مشروع يمكن أن يلغيها أو ينهيها لانتظارها، أن تقوم ساعة الصفر الإسرائيلية بالهجوم، وماذا يمكن فعله حيال شكله وهدفه والنتائج التي يمكن أن يؤدي إليها؟

وبناء على ما سبق، يتخوف هؤلاء المراقبون من أن تكون الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة قد تجاوزت بسرعة «إنجاز» اغتيال السنوار. ومهما قيل عن اضطهاد أخيه محمد، كما وعد الجيش الإسرائيلي، فهو ليس من خلفائه. وقبلها بـ 21 يوما، اغتيال السيد نصر الله، رغم الرهانات الواضحة التي قدموها للتخلص من آخر حبات العنقود، وتأجيل مناقشة وقف إطلاق النار، ومواصلة غطرستهم تجاه لبنان والمنطقة في طريقهم إلى طهران. . كل هذا يحدث في مرحلة أدق من الفراغ الدولي، وهو انعكاس لفشل الدبلوماسية الدولية والدولية، والذي من المتوقع أن يستمر على الأقل حتى الانتخابات الأميركية في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، مع صعوبة كبيرة في تحديد أي منها مؤلمة وأيها ستكون مؤلمة؟ وما قد تحمله الأيام بين هذا الادعاء من مفاجآت صعبة، فلا أحد يستطيع أن يتوقع وينتظر ما ستحمله الساعات المقبلة من أحداث متوقعة ساعة بساعة، بما في ذلك احتمال تأثير الولايات المتحدة وأطراف دولية أخرى على قوى التدخل. مسارهم.