لدى لبنان الرسمي القليل من الأوراق الضعيفة لمنع الأسوأ. وهي تحاول اليوم الاستفادة من نقطتين أبدى حزب الله فيهما بعض المرونة: وقف إطلاق النار بغض النظر عن الوضع في غزة، والامتثال للقرار 1701. ولكن هل تنجح هذه المحاولة؟

أرسل لبنان إشارات واضحة إلى القوى الدولية والإقليمية المؤثرة تؤكد من جديد رغبته في التعاون لتجنب الكارثة. ويبدو أن الرئيس نجيب ميقاتي يراهن على أن تراجع الإضرابات في الضاحية الجنوبية في الأيام الأخيرة يمكن أن يوفر بصيص أمل.

لكن بحسب مصادر دبلوماسية معنية، لا يبدو أن رهان المسؤول اللبناني صحيح. كانت موافقة حزب الله على وقف إطلاق النار كافية لإرضاء إسرائيل في الأشهر الأحد عشر الأولى من “حرب الاحتلال”، لكن الوسطاء أدركوا في نهاية المطاف أن وقف إطلاق النار وحده لم يعد كافيا وأن مطالبهم الحالية أصبحت أكبر بكثير بوقف إطلاق النار ويتلخص ذلك في نزع سلاح “الحزب” بشكل كامل، بحيث لا يشكل خطراً على إسرائيل في أي يوم في المستقبل، كما شكلت “حماس” خطراً على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023. وبحسب المصادر، فإن تنفيذ القرار 1701 بالكامل. وهنا يكمن السر الحقيقي.

وتقول المصادر: «إن كلاً من إسرائيل وحزب الله يخفون النوايا الحقيقية التي يريدون رؤيتها في القرار 1701. ولا يقبل الحزب بهذا القرار في الحالات القصوى لتجاوز «الستاتيكو» الذي كان موجوداً في الجنوب وفي عموم لبنان قبل 8 تشرين الأول/أكتوبر. الأول هو 2023 أو قبل انتشار مقاتليه في المنطقة القريبة من الحدود. أما مسألة سيطرة الجيش اللبناني واليونيفيل وحدهما على أمن المنطقة حتى الليطاني، فهي مشكلة لبنانية داخلية منذ 17 عاماً. لكن التعقيد الحقيقي للقرار 1701 يكمن في أنه يقتضي تطبيق القرارات الدولية ذات الصلة، ولا سيما القرار 1559، الذي ينص على أن الجيش وحده يتولى مسؤولية الأمن في كل لبنان، وليس فقط في الجنوب. وهذا يعني أن الأمر يتعلق عمليا بنزع سلاح حزب الله بشكل كامل. ويرفض «الحزب» ذلك بكل قوته ويعتبره مسألة حياة أو موت.

في المقابل، قال الإسرائيليون للوسطاء إنهم لن ينهوا الحرب إلا بعد تدمير أسلحة “الحزب” بالكامل أو انتزاعها. وبذلك، فإنهم يحظون بدعم واشنطن، التي ترفض مهاجمة الأحياء المأهولة والمرافق الحيوية في لبنان ولكنها تدعم هدف إسرائيل المتمثل في تدمير أسلحة حزب الله. وهذا الموقف يعبر عنه الأمريكيون صراحة في المحادثات الدبلوماسية الجارية. وعلى نحو مماثل، يطالب الفرنسيون بالتنفيذ الجاد للقرار 1559، إلا أنهم يفضلون أن يتم ذلك من خلال المفاوضات وليس الحرب. وتخشى المصادر أن يكون نتنياهو وفريقه على وشك منح لبنان مهلة قصيرة للبت في خيار طهران الذي يعلن حزب الله موافقته على تنفيذه بالتوافق الكامل مع القرارين 1701 و1559، وإلا ستستأنف الحرب المسجلة تدريجيا.

وقالت المصادر إن إسرائيل أبلغت جميع الوسطاء بأنها لن تعيش مرة أخرى إلى جانب منظمة مسلحة خارج نظام القوات المسلحة اللبنانية الشرعية المرتبطة بإيران في الشمال. وإذا كانت قد اكتفت في عام 2006 بخط الليطاني لتأمين حدودها، فإنها اليوم، بعد تجربة غزة وفي ظل التطور الهائل للأنظمة الصاروخية، توصلت إلى أن الخط الأمني ​​يجب أن يكون على بعد مئات الكيلومترات من الخط الأمني. فالصواريخ التي تهدد إسرائيل يجب أن تكون أبعد من لبنان كله. وتمكن الحوثيون والعراقيون، بالإضافة إلى الإيرانيين بالطبع، من التوغل في العمق الإسرائيلي. ولذلك ترى إسرائيل اليوم فرصة جيدة للتخلص من الصواريخ التي تهددها في لبنان، ويمكن أن تدخل إلى مخزونها من إيران عبر سوريا، في البحر أو في الجو.

في المقابل، يرى حزب الله أن مطلب نزع السلاح يؤثر على وجوده، وأنه أخطر من أي هجمات تضربه حتى الآن. ولذلك سيواجهه بكل الوسائل، بما في ذلك التأخير والمناورة الدبلوماسية والرهان على الوقت، ربما يتغير المناخ السياسي والتوازنات الإقليمية والدولية ويتيح حلاً ينفذ القرار 1701 وفق المفهوم السابق. والمشاورات التي دعا إليها لبنان الرسمي ودعمتها باريس تمثل فرصة مناسبة لشغل الوقت بالنشاط الدبلوماسي وتهدئة المتهورين في إسرائيل.

ومع ذلك، فإن هذه المحاولة ليست مضمونة أن تؤدي إلى نتائج، حيث قد لا يرغب نتنياهو وشركاؤه في تفويت فرصتهم أيضًا. أي اتجاه سيسود في الأيام المقبلة: الحل السياسي التقليدي الذي يأمل فيه المفاوض اللبناني، أم الخيارات الجذرية المؤلمة التي يهدد بها نتنياهو ورفاقه؟