سيرة خالد بن الوليد
وهو من كبار الصحابة الذين لهم تاريخ طويل في الفتوحات الإسلامية. وكان قائداً عظيماً قاد العديد من الحملات والجولات في حروب المسلمين مع أعدائهم وأعلى عليه كلمة الإسلام، وأطلق عليه لقب سيف الله المسلول. فمن هو خالد بن الوليد؟ وفي هذا المقال تجدون سيرة هذا القائد العظيم والرفيق الجليل. فلنعيش مع السيرة العطرة لخالد بن الوليد ونتعرف على أبرز سمات سيف الله المسلول.
خالد بن الوليد.. صفات القائد منذ الصغر
هو خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن مخزوم بن يقطى بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي، ويكنيته أبا سليمان. والدته لبابة بنت الحارث، وهي أخت أم المؤمنين السيدة ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها، زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم. سلام.
قبل إسلامه، كان خالد شديد العداء للمسلمين وللسمعة الإسلامية. حارب مع مشركي قريش زمناً طويلاً وكان أحد أبطاله في انتصار المشركين على جيش المسلمين، مستغلاً فجوة كبيرة في جيش المسلمين عندما نزل الرماة من الجبل، وهكذا غزا مع فرقته لمحاصرة المسلمين من الخلف ومهاجمة صفوف الجيش. مما أدى إلى هزيمة المسلمين في غزوة أحد في السنة الثالثة للهجرة.
لقد كان خالد قائداً عظيماً، وكان يتمتع بالصفات التي أهلته حتى قبل إسلامه. وتميز بحسن سلوكه مع قومه قريش. وكان مجرماً كريماً أعطى كرام العرب هدايا من المال، وكان يفضل أن يعطي المال لنفسه ليعطيه لكرام العرب، وكان ذلك قبل الإسلام: وبعد الإسلام رضي الله عنه، كان وكثر من عطاياه للفقراء والمحتاجين والصدقات، وكان يفعل ذلك بكل سرور إكرامًا لكل الناس، مهما كانت مقامهم عنده.
وأما رأيه ومهارته وخبرته فلا شك أنه رضي الله عنه كان له رأي وحنكة ومشورة، وخاصة الفكر في أمور الحرب، وكان هو نفسه شجاعا لا يخاف ولا يقلق . وهو ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أعظم عبد الله خالد بن الوليد سيف من سيوف الله). وأما خليفة رسول الله أبو بكر، فقال عنه: “لم تتمكن النساء من تربية مثل خالد” كما يقول عن نفسه: (خرج يوم مؤتة من يدي تسعة سيوف، ولم يبق في يدي إلا صحن يمنيّ).
كما كان مطلعاً على خطط الجهاد وقراراته. وكان محامياً في هذا المجال من المعرفة الشرعية لأنه كان في أمس الحاجة إليها. وقد رافق رسول الله في بعض المعارك وأخذ عنه هذه القرارات وكان صحابياً شريفاً في الفتوحات وكان يحب اللغة. وبعد مبايعته لأبي بكر الصديق مدحه الله، مما جعل أبو بكر يمدحه أيضًا.
المنعطف الكبير في حياة خالد بن الوليد
وكان خالد بن الوليد من كبار الصحابة، ولكن قبل هذا التحول كان شديد العداء للإسلام والمسلمين، وكما قلت كان عدوا للسمعة الإسلامية، ليس فقط بالكلام ولكن أيضا بالحرب، وهو ما كان عليه أيضا. كان أحد قادة قريش في غزوة أحد.
وأما نقطة التحول فكانت في السنة السادسة من الهجرة، وقد جاوز الأربعين من عمره، وقد سبقه أخوه في الإسلام، فأرسل إليه رسالة يقول فيها: «سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم عنك». فقال: أين خالد؟ فقلت: جاءه الله، قال: ليس جهل بالإسلام مثله. ولو وقف مع المسلمين ضد المشركين لكان خيرا له ولقدمناه على غيره. فأكمل يا أخي ما فاتك منه، فإنك فاتك مواضع جيدة.
تأثر خالد بهذه الرسالة وحلت الكثير من الصراعات النفسية التي كانت تدور في عقله وروحه. وكان يصارع نفسه بين الكفر والإيمان، لكنه رأى في هذه الرسالة تقديرًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم. صلى الله عليه وسلم على مكانة خالد العظيمة كما عرفه رسول الله حق المعرفة. ولذلك أحس خالد أنه مسلم موحد ومخلص ومطيع بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرر أن يتخذ قراره ويهاجر إلى المدينة المنورة. وتشجع أيضًا عندما التقى في طريقه بعمرو بن العاص الذي كان رفيقه وصديقه لفترة طويلة، واكتشف أن عمر كذلك بعد صراع نفسي شديد بين الكفر والإيمان، فقررا ذلك للدخول في الحرب. استجمعوا شجاعتهم وقرروا مبايعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة وبدء رحلة جديدة في حياة خالد بن الوليد.
غزوة مؤتة.. بداية ملحمة خالد بن الوليد
لقد كان خالد حقًا من القادة الكبار، وقد فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وكان يعلم جيدًا موقف كل فرد سواء في الجاهلية أو بعد الإسلام، وفرص ذلك. حدثت عندما وقعت غزوة مؤتة.
حدثت هذه الغزوة شمال جزيرة العرب في قرية مؤتة على حدود الدولة الرومانية، حيث نصبت كميناً للعرب والمسلمين وأرسلت جيشاً إلى هذه المنطقة لتأمينها من غزوات الغساسنة والمسلمين. وعين الروم مبعوثه عليه الصلاة والسلام زيد بن حارثة قائداً لهذا الجيش الذي قدر عدده بنحو ثلاثة آلاف جندي. ثم عين بعد زيد جعفر بن أبي طالب ثم عبد الله بن رواحة يعني أن هذه الحملة تنطوي على مخاطر كثيرة حيث أنها تضم ثلاثة قادة متعاقبين وربما يستشهد أحدهم.
ومن ناحية أخرى، جمع الروم جيشًا ضخمًا يضم آلاف الجنود، وبالتالي فإن جيش المسلمين لم يكن يعني شيئًا تقريبًا بالنسبة لهم. أين كان خالد في هذه المعركة؟
وكان خالد جندياً عادياً في هذه المعركة تحت قيادة زيد بن حارثة، وما أن اندلعت المعركة الضارية حتى استشهد زيد بن حارثة، ثم بعد جعفر بن أبي طالب، بعد أن أصبح قائداً للجيش، استشهد مع احتدام القتال، فاستشهد جعفر، ثم تولى عبد الله القيادة، لكنه استشهد والجيش بلا قائد.
انتهى اليوم الأول وسلم الجيش الراية لخالد بن الوليد. الشهداء الثلاثة الذين عينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك اختار المسلمون أحدهم من وصية رسول الله.
وكانت خطة خالد تقوم على الانسحاب من المعارك بأقل قدر ممكن من الخسائر. كان يعرف قدرات جيش العدو بالنسبة لقدرات جيشه ولذلك قرر الانسحاب من المعركة بحيلة ذكية ودون أدنى خسارة، وفي نفس الوقت يحقق الهدف السياسي والعسكري للمعركة، وفعلا قام بتغيير تكتيكات الجيش الاسلامي تكتيكات الامامية والخلفية بحيث ظهر انه جيش جديد ليس القديم الذي كان يقاتله وهنا يوجه رسالة للعدو بأنه يرسل تخرج تعزيزات المدينة المنورة هناك وأنه يواصل قتال الروم.
خاف الرومان من هذه الفكرة وتمكن خالد فعلا من سحب جيشه من الميدان دون وقوع إصابات تقريبا وامتنع الرومان عن مهاجمة هذه المنطقة لأنهم لم يعرفوا هل هناك جيوش أخرى أم لا ولهذا نجح خالد هذا وكانت الخطة تتماشى مع قدرات المسلمين في ذلك الوقت، مما أدى إلى إشادة رسول الله صلى الله عليه وسلم به ووصفه بسيف الله المسلول، وبذلك بدأ خالد مسيرة خالد كقائد بارز بين المسلمين، بمزيد من المهارة والخبرة في العمل. المعارك أكثر من القادة الآخرين.
شارك خالد مع رسول الله في العديد من الغزوات، مثل فتح مكة، حيث كان قائد الجيش الذي فتحها بأمر رسول الله، وكذلك غزوة حنين ضد قبيلتي ثقيف وهوازن بالطائف ومعركة دومة الجندل ونجران واليمن. هذه الغزوات جعلت تجربة خالد الحربية عظيمة، واستعد لأخطر وأهم مرحلة في حياته كلها.
خالد بن الوليد وحروب الردة
بدأت عبقريته العسكرية مع حروب الردة، وهذه الحروب خاضها المسلمون دفاعاً عن الدين، وذلك بسبب ارتداد القبائل العربية عن الإسلام وظهور بعض الشخصيات التي ارتدت عن الدين بل ادعت أنها أنبياء لنشر الإسلام في جزيرة العرب، إلا أن الخليفة الأول أبو بكر الصديق أصر على قتال هؤلاء المرتدين والأنبياء وأرسل إليهم جيوشاً يقودها عدد من الصحابة، ومنهم جيش خالد بن الوليد، الذي كان يعتبر أحد أهم الجيوش الإسلامية التي حققت نتائج باهرة. وهزمت العديد من القبائل التي أرادتها، خاصة قبيلة بني حنيفة بقيادة مسيلمة الكذاب، في منطقة اليمامة، حيث انتصر في هذه المعركة التي شكلت نقطة تحول في تاريخ هذه الحروب.
كما خاض العديد من المعارك التي كان لها الأثر الكبير في تاريخ حروب الردة، ولذلك لم تكن هذه الحروب إلا مقدمة لفتوحات كان بطلاً عظيماً فيها.
البطل العظيم في الفتوحات الإسلامية
وهي أهم مرحلة في حياة الصحابي الجليل خالد بن الوليد. شارك ابن الوليد في البداية في فتوحات العراق، وحقق العديد من المعارك والانتصارات الكبرى على الفرس هناك في معارك ذات السلسلة وعين التمر والأنبار، وكان له دور مهم في إنهاكها القوات المسلحة الفارسية.
ودفعت هذه الفتوحات قادة المدينة المسلمين، وخاصة الخليفة أبو بكر الصديق، إلى إرسال خالد كأحد قادة فتح الشام. وبعد وفاة أبي بكر الصديق وتولي عمر بن الخطاب، بقي خالد على رأس الجيش الإسلامي واستطاع فتح العديد من المدن مثل دمشق وحمص.
إلا أن أعظم معركة في تاريخ المسلمين في تلك المرحلة كانت معركة اليرموك بين المسلمين والروم، والتي كان فيها خالد البطل العظيم وباني الملحمة الإسلامية، وكان قائد المسلمين في هذه المعركة ووقعت حادثة اليرموك – التل، وقسم خالد الجيش إلى ثلاثة أجزاء. الفرقة الأولى بقيادة أبو عبيدة بن الجراح، والثانية بقيادة عمرو بن الجراح. العاص، والثالث بقيادة يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنهم أجمعين. وصمدت هذه الفرق أمام جيش الروم الضخم، وتمكن الجيش من هزيمتهم هزيمة نكراء بفضل مهارة خالد. وكانت هذه بداية النهاية للروم في بلاد الشام، إذ كان من نتائج هذه المعركة الاستيلاء على العديد من المدن الشامية وانهيار الدفاعات الرومانية ضدها. ولذلك كانت مرحلة كبيرة ومهمة من فتح الشام ومن ثم فلسطين ومن ثم تأمين مصر.
وكان خالد بن الوليد من أعظم قادة المسلمين والصحابة الكرام رضي الله عنه. وهو أبو سليمان، وكان المسلمون يحبون لقب خالد. وهو أحد الأمثلة العظيمة الموجودة في التاريخ الإسلامي. ومات على فراشه دون أن يستشهد رغماً عنه، إذ أراد أن ينال الشهادة، فأبى الله أن ينكسر أحد سيوفه. رضي الله عن خالد بن الوليد.